سورة الإسراء - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{واستفزز من استطعت منهم} أَيْ: أزعجه واستخفَّه إلى إجابتك {بصوتك} وهو الغناء والمزامير {وأجلب عليهم} وصحْ {بخيلك ورجلك} واحثثهم عليهم بالإِغواء، وخيلُه: كلُّ راكبٍ في معصية الله سبحانه وتعالى، وَرَجِلُه: كلُّ ماشٍ على رجليه في معصية الله تعالى {وشاركهم في الأموال} وهو كلُّ ما أُخذ بغير حقٍّ {والأولاد} وهو كلُّ ولد زنا {وعدهم} أن لا جنَّة ولا نار، ولا بعث ولا حساب، وهذه الأنواع من الأمر كلُّها أمر تهديد، قال الله تعالى: {وما يعدهم الشيطان إلاَّ غروراً}.
{إنَّ عبادي} يعني: المؤمنين {ليس لك عليهم سلطانٌ} حجَّةٌ في الشِّرك {وكفى بربك وكيلاً} لأوليائه يعصمهم من القبول مِن إبليس.
{ربكم الذي يزجي} يسيِّر {لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله} في طلب التِّجَارة {إنه كان بكم} بالمؤمنين {رحيماً}.
{وإذا مسَّكم الضرُّ} خوف الغرق {في البحر ضلَّ} زال وبطل {من تدعون} من الآلهة {إلاَّ إياه} إلاَّ الله {فلما نجاكم} من الغرق وأخرجكم {إلى البر أعرضتم} عن الإيمان والتَّوحيد {وكان الإِنسان} الكافر لربِّه {كفوراً} لنعمة ربِّه جاحداً، ثمًّ بيَّن أنَّه قادر أن يهلكهم في البرِّ، فقال: {أفأمنتم} يريد: حيث أعرضتم حين سلمتم من هول البحر {أن يخسف بكم} يُغيِّبكم ويذهبكم في {جانب البَرِّ} وهو الأرض {أو يرسل عليكم حاصباً} عذاباً يحصبهم، أَيْ: يرميهم بحجارةٍ {ثمَّ لا تجدوا لكم وكيلاً} مانعاً ولا ناصراً.
{أم أمنتم أن يعيدكم} في البحر {تارةً} مرةً {أخرى فيرسل عليكم قاصفاً} ريحاً شديدةً تقصف الفلك وتكسيره {فيغرقكم بما كفرتم} بكفركم حيث سلمتم المرة الأولى {ثمَّ لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً} ثائراً ولا ناصراً، ولامعنى: لا تجدوا مَنْ يتًّبعنا بإنكار ما نزل بكم.


{ولقد كرَّمنا} فضَّلنا {بني آدم} بالعقل والنُّطق والتَّمييز {وحملناهم في البر} على الإِبل والخيل والبغال والحمير {و} في {البحر} على السُّفن {ورزقناهم من الطيبات} الثِّمار والحبوب والمواشي والسَّمن والزُّبد والحلاوى {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا} يعني: البهائم والدَّوابَّ والوحوش.
{يوم ندعو} يعني: يوم القيامة {كلَّ أناسٍ بأمامهم} بنبيِّهم، وهو أن يقال: هاتوا مُتَّبعي إبراهيم عليه السَّلام، هاتوا مُتبَّعي موسى عليه السَّلام، هاتوا مُتَّبعي محمد عليه السَّلام، فيقوم أهل الحقِّ فيأخذون كتبهم بأيمانهم، ثمَّ يقال: هاتوا مُتَّبِعي الشَّيطان، هاتوا مُتَّبعي رؤساء الضَّلالة، وهذا معنى قول ابن عباس: إمام هدى وإمام ضلالة {ولا يظلمون} ولا ينقصون {فتيلاً} من الثَّواب، وهي القشرة التي في شقِّ النَّواة.
{ومَنْ كان في هذه أعمى} في الدُّنيا أعمى القلب عمَّا يرى من قدرتي في خلق السَّماء والأرض والشَّمس والقمر وغيرهما {فهو في الآخرة} في أمر الآخرة ممَّا يغيب عنه {أعمى} أشدُّ عمىً {وأضلُّ سبيلاً} وأبعد حجَّةً.
{وإن كادوا...} الآية. نزلت في وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: متِّعنا باللاَّت سنةً، وحرِّمْ وادينا كما حرَّمت مكَّة؛ فإنَّا نحبُّ أن تعرف العربُ فضلنا عليهم، فإنْ خشيت أن تقول العرب: أعطيتهم ما لم تعطنا فقل: الله أمرني بذلك، وأقبلوا يلحُّون على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وقد همَّ أنْ يعطيهم ذلك، فأنزل الله: {وإن كادوا} همُّوا وقاربوا {ليفتنونك} ليستزلُّونك {عن الذي أوحينا إليك} يعني: القرآن، والمعنى: عن حكمه، وذلك أنَّ في إعطائهم ما سألوا مخالفةً لحكم القرآن {لتفتري علينا غيره} أَيْ: لتختلق علينا أشياء غير ما أوحينا إليك، وهو قولهم: قل الله أمرني بذلك. {وإذاً} لو فعلت ما أرادوا {لاتخذوك خليلاً}.
{ولولا أن ثبتناك} على الحقِّ بعصمتنا إيَّاك {لقد كدت تركن} تميل {إليهم شيئاً} ركوناً {قليلاً}، ثمَّ توعَّد على ذلك لو فعله فقال: {إذاً لأذقناك ضعف الحياة} ضِعْفَ عذاب الدُّنيا {وضعف الممات} وضعف عذاب الآخرة. يعني: ضعف ما يعذِّب به غيره.
{وإن كادوا لَيَسْتَفزٌّونَكَ} يعني: اليهود. قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الأنبياء بُعثوا بالشَّام، فإنْ كنت نبيَّاً فالحق بها، فإنَّك إنْ خرجتَ إليها آمنَّا بك، فوقع ذلك في قلبه لحبِّ إيمانهم، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية، ومعنى ليستفزونك: ليزعجونك {من الأرض} يعني: المدينة {وإذا لا يلبثون خلافك إلاَّ قليلاً} أعلم الله سبحانه أنَّهم لو فعلوا ذلك لم يلبثوا حتى يستأصلوا، كسنَّتنا فيمن قبلهم.


{سنة من قد أرسلنا قبلك...} الآية. يقول: لم نرسل قبلك رسولاً فأخرجه قومه إلاَّ أهلكوا. {ولا تجد لسنتنا تحويلاً} لا خُلف لسنَّتي، ولا يقدر أحدٌ أن يقلبها.
{أقم الصلاة} أَيْ: أدمها {لدلوك الشمس} من وقت زوالها {إلى غسق الليل} إقباله بظلامه، فيدخل في هذا صلاة الظُّهر والعصر والعشاءين {وقرآن الفجر} يعني: صلاة الفجر، سمَّاها قرآناً لأنَّ الصَّلاة لا تصحُّ إلاَّ بقراءة القرآن. {إنَّ قرآن الفجر كان مشهوداً} تشهده ملائكة اللَّيل وملائكة النَّهار.
{ومن الليل فتهجد} فصلِّ {به} بالقرآن {نافلة لك} زيادةً لك في الدَّرجات؛ لأنه غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فما عمل من عملٍ سوى المكتوبة فهو نافلةٌ لك، من أجل أنَّه لا يعمل ذلك في كفَّارة الذُّنوب {عسى أن يبعثك ربك} {عسى} من الله واجبٌ، ومعنى يبعثك ربُّك: يقيمك ربُّك في مقامٍ محمودٍ، وهو مقام الشَّفاعة يحمده فيه الخلق.
{وقل ربِّ أدخلني} لمَّا أُمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالهجرة أُنزلت عليه هذه الآية، ومعناها: أدخلني المدينة إدخال صدق، أَيْ: إدخالاً حسناً لا أرى فيه ما أكره {وأخرجني} من مكة إخراج صدق لا ألتفت إليها بقلبي {واجعل لي من لَدُنْكَ سلطاناً نصيراً} قوَّة القدرة والحجَّة حتى أُقيم بهما دينك.
{وقل جاء الحق} الإِسلام {وزهق الباطل} واضمحلَّ الشِّرك {إن الباطل} الشِّرك {كان زهوقاً} مضمحلاً زائلاً. أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا عند دخول مكَّة يوم الفتح.
{وننزل من القرآن} أَيْ: من الجنس الذي هو القرآن {ما هو شفاء} من كلِّ داءٍ؛ لأنَّ الله تعالى يدفع به كثيراً من المكاره {ورحمةٌ للمؤمنين} ثوابٌ لا انقطاع له في تلاوته {ولا يزيد} القرآن {الظالمين} المشركين {إلاَّ خساراً} لأنَّهم يكفرون به ولا ينتفعون بمواعظه.
{وإذا أنعمنا على الإِنسان} يريد: الوليد بن المغيرة {أعرض} عن الدُّعاء والابتهال، فلا يبتهل كابتهاله في البلاء والمحنة {ونأى بجانبه} بَعُد بنفسه عن القيام بحقوق نعم الله تعالى {وإذا مسه الشر} أصابه المرض والفقر {كان يؤساً} يائساً عن الخير ومن رحمة الله سبحانه؛ لأنَّه لا يثق بفضل الله تعالى على عباده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8